زيوت الطعام المغشوشة.. سموم على موائد المستهلك
03-21-2014 11:31 PM
الخرطوم - حيدر عبد الحفيظ
جولة أولى
أسواق الخرطوم في هذه الأيام تعيش وضع استثناء. مواد الاستهلاك الغذائية محل استفهام كبير.. الحكمة عند الأعراب تمضي بالقول: "المعدة بيت الداء"، غير أن حِكم الخرطوم الاستهلاكية اليوم تحيلك إلى متاهة صحية تمسك بتلابيب دهشتك، وتصرخ بأنّ زيوت الطعام المغشوشة أس البلاء، صوديا وصابون آخر ما توصل إليه في تركيب زيت الطعام بالمصانع "المضروبة"، ومع ذلك لم تسلم محال الأطعمة من استخدامات الزيوت المسرطنة، التي يعاد تسخينها مراراً، وتقدم للمواطن بعد أن تقلى بها العديد من الأكلات والوجبات الجاهزة والسريعة، في كثير من المطاعم التي تبيع مثل هذه الأنواع من الأطعمة.
المؤكّد أنّ صناعة زيوت الطعام من أكثر الصناعات التي ينبغي أن تجد حظها من التدقيق والرقابة الصحية والصناعية من قبل السلطات، لارتباطها بصحة الإنسان، والاختلال في أيّ من معايير صنعتها يعد مدخلاً للكثير من العلل والكوارث على حياة الناس. خلال الأيام الفائتة وفي منطقة مبروكة غرب الحارات بأم درمان تحديداً، كانت المفاجأة غير متوقعة حينما كشفت السلطات الأمنية بكرري مصنع زيوت مغشوشة من قبل سيدة امتهنت صناعة وتجارة الزيت الفاسد. الواقعة أدهشت كل من تابع وسمع عن الحدث، حيث لم يتورّع أصحاب المصانع المغشوشة في إدخال مواد كيميائية ومميتة للإنسان ومؤثرة على صحته في منتجهم، بل عمدت صاحبة المصنع إلى إدخال خلطات أدخلتها في تركيب الزيت يمكن أن تعبد للمستهلك طريقه إلى الحياة الأخرى عبر بوابة زيت الطعام المغشوش.
حسناً؛ عثر أفراد الشرطة الأمنية المداهمين لمصنع الزيت الفاسد على قدور كبيرة (حلل) مليئة بالزيت مخلوطة بالماء و(2) جردل و(15) جركانة زيت جاهزة للتوزيع، بالإضافة إلى برميل و(3) جركانات رغوة صابون، و(5) براميل من خام الصوديا، وبرميل و(6) جركانة ماء مفصول من الزيت، وبرميلين من خام الصوديا موضوعة على النار، والإشراف على كل هذا النشاط، والخطوات المعملية في المصنع المضروب كان تحت إشراف سيدة بمعاونة آخرين.
* غير بعيد عن ذلك، وتحديداً في السوق الشعبي بأم درمان تنتشر نوعية زيوت معبأة في (قوارير) المشروبات الغازية والمعدنية غير معروفة المنشأ. وأكدت موظفة لـ(اليوم التالي) أنها اشترت من أحد الباعة قارورة من نوعية الزيت المعروض على الهواء الطلق وتحت اشعة الشمس وتمضي في حدثها بالقول: "في المطبخ حينما أردت أن أقلي بالزيت تصاعدت "رغوة" لأعلى السقف بصورة مرعبة"، قبل أن تضيف: "أوقفت القلي وسكبت الزيت على الأرض فوراً وأيقنت أن الزيت فاسد".
طفقت دارجاً أجوب محلات لبيع الأطعمة وكافتيريات ومحلات التيك أوي، لبيع السندويتشات والمقاهي التي تستخدم زيت القلي في بعض ما تبيعه في محاولة مني للتعرف على استخدامات الزيت للقلي.. عند مساء كل يوم تجد تلك المحال تعيد تعبئة الزيت المستخدم لإعادة استخدامه في اليوم القادم والأيام التي تليه حتى ينضب معين الزيت من الإناء المحفوظ فيه، في غياب تام من السلطات المعنية بالموضع، وفي تساهل تام عن هذا السلوك الذي ربما يجهل البعض مخاطره وتبعاته التي تفضي لعواقب وخيمة، أو ربما يتعمد البعض استخدام الزيت المعاد قليه مراراً بدافع البحث عن الربح والمال دون التنبه على خطورة ما يصنعه على صحة المواطنين.
في السوق المركزي في إحدى الكافتيريات الكبرى التي يرتادها الكثيرون، وبينما توشك حركة المترددين على الحركة على التوقف ذات مساء، يهم في ذات الوقت عمال المحل على قفل الكافتيريا، وقع ناظري على (صاج) قلي كبير ممتلئ عن آخره بزيت الطعام الذي استخدم في ما يبدو طوال اليوم في قلي (الفلافل) في الكافتيريا. سألت أحد عمال الكافتيريا عن ماذا ستفعلون بالزيت المتبقي؟ فرد: "نستخدم الزيت مرة أخري حتى ينفد"! أعدت السؤال: "ليوم غدٍ؟"، فأجاب: "نعيد استخدامه وعندما يوشك على النفاد نضيف إليه الزيت الجديد".
يفتك بالكبد ويسبب السرطان
طرحت مُشكلة الزيوت المغشوشة المستخدم في صناعتها الصابون والصوديا وكذا الزيت مكرر التسخين والقلي، على الدكتور إبراهيم محمد أحمد مدير هيئة المواصفات والمقاييس الأسبق، والناشط بجمعية حماية المستهلك السودانية. إبراهيم يؤكّد أنّ إضافة هذه المواد الكيميائية للزيوت خطر ومميت وقال: "مادة الصوديا لو استخدمها الشخص خارجياً ولوث بها وجهه ويديه يمكن أن تتسبب له العمي وتقرح الجلد والأطراف" ويضيف: "إذا كان تأثيرها في الجسم الخارجي على ما ذكرنا، فإن مخاطرها على المعدة أشد وأنكأ".
ويؤكد دكتور إبراهيم أن الزيت المكرر والذي يسخن في أكثر مرة بدواعي القلي في الأطعمة يتحول لمواد كيميائية نشطة وهي مواد ضارة بالمعدة والكبد والصفراء ومؤذية نتيجة لفقد الزيت لخواصه الغذائية. غير أن الأخطر في تكرر زيت القلي واستعماله مرات متوالية بحسب علماء التغذية يحول الزيت لمركبات كيميائية بوليميرية معقدة من نواتج أكسدة الزيت، تسبب الكثير من مشاكل الصحة للمستهلك بل إن بعضها قد يسبب الإصابة بالسرطان.
التحقق من الاشتراطات الصحية
لخطورة استخدامات الزيوت المكررة في قلي الأطعمة، وبما أن هنالك محال في السوق المركزي الخرطوم تستخدم مثل هذه الزيوت في القلي، توجهت لإدارة السوق وقصدت مكتب الصحة وطرحت المُشكل على نهلة حسن ضابط الصحة بذات السوق، فقالت: عملنا في السوق المركزي ينحصر في حملات التفتيش الدورية والتحقق من الاشتراطات الصحية في المطاعم والمحال التي تقدم الأغذية ومواد الاستهلاك ونعمل على مصادرة ما نتيقن انه يضر بصحة الإنسان، وفي ما يلي الزيوت المكررة وزارة الصحة لديها برامج توعوية وتثقيفية تستهدف الأسواق وتبين خطورة الأمر للعاملين في مجال تجارة الأطعمة. نهلة أكدت لـ(اليوم التالي) أنه لم يحصل أن صُودرَ زيت مكرر أو أريق من مستخدميه.
تحذيرات في مصانع الزيت
يلفت خبراء تغذية ونشطاء في شؤون المستهلك التقتهم (اليوم التالي) لعدم تقيد كثير من معامل ومصانع الزيوت الصغيرة (الكرجاكات) بالشروط الصحية اللازمة وعدم تطبيقها للسلامة الصناعية كمصانع مرتبطة بالغذاء وصحة الإنسان مثل غياب تقانة إزالة الروائح واستخدام المحركات والمراوح في التقليب والتجفيف مع غياب "المعادلة" للمواد المستخدمة في الصناعة بحيث يكون صافي الزيت منتجا عبر نسب محددة يستطيع فني التغذية خلطها وتركيبها في المنتج بطريقة علمية آمنة. ويكون التحذير على أشده من الخبراء من خطورة صناعة الزيوت من الفول السوداني الملوث بالسُم الفطري الذي يسمي بـ(الأفلاتوكسين) أو الصوفان الأخضر، والذي يحول لون حبة الفول السوداني إلى لون أبيض أو بنى أو يتغير طمعها حيث تصبح مُرة المذاق، وهي مادة سامة مسببة للسرطان
اليوم التالي
ليست هناك تعليقات: